::"ذكرى عابره"::

سيتحرك القطار في تمام الساعة العاشرة ، على المسافرين تجهيز امتعتهم " هذا ما قاله الموظف المسؤل في محطة القطار .
كان ينتظر بشغف حلول العاشرة ليسافر ..
دقت الساعة العاشرة ، انتفض نشطا من مكانه وحمل حقيبته وتوجه للقطار .
بحث عن مقعده وجلس .
جاءت فتاة ونظرت الى التذكرة وللمقعد للتاكد من الرقم المدون .
وضعت حقيبتها الصغيرة في مكانها المخصص وجلست ..
نظر اليها وابتسم ابتسامة الترحيب .
بدأ القطار بالتحرك فقد كانت رحلة طويلة جدا ..
أخرج من حقيبته قصة وأخد بالقراءة ..
وهي تجلس بجانب النافذة تنظر الى جانب الطريق الذي ينتشر عليه الاشجار وحقول الورد البريّ .
أتت المضيفة وسألته ماذا يريد أن يشرب ، طلب فنجان قهوة محلى ، وهي طلبت كوب عصير برتقال ..
كان غارقا بالقراءة ، لا يهتم لشيء من حوله فقد اخذته احداث القصة من حوله ، استعجبت لأمره الفتاة وتساءلت ما بهِ ! ألا يلتفت لوجودي !!
سألته : ماذا تقرأ ؟
اجاب بكل برود : قصة ويليام شكسبير ..
قالت : حقا !! احب كتاباته بهي بمنتهى الأناقة ..
قال : اجل .. هي كذلك ، وعاد لقراءته الصامتة ..
ملت من صمته ، فهي لا تجد شيئا تمتع نفسها به .
قالت : اذا انت مسافر الى النمسا ! ؟
قال : اجل .. لقد استلمت عملي الجديد هناك
قالت : انا اعيش هناك ، كنت هنا بزيارة عند اقاربي ..
قال : جميل جدا ..
قالت : وماهو مجال عملك ؟؟
قال : اعمل في سوق البورصة ، وادير شركة للاستيراد والتصدير ..
قالت : جميل جدا ، اتمنى لك التوفيق ..
قال : وماذا تعملين انتِ ؟
قالت : اعمل مدرسة للفنون الجميلة في احد المدارس ، وايضا مدرسة موسيقى في معهد والدتي ..
قال : رائع جدا جدا .. بالتوفيق ، فأنا احب الموسيقى وخاصة ، الرومانسية منها ..
قالت له : حقا !! جميل جدا ..
وعاد لصمته مرة اخرى واطرق راسه بالقصة ..
قالت : الهذه الدرجة تجذبك احداث القصة !!
قال : لا اجد غيرها يمتعني بهذه الرحلة الطرويلة ..
قالت : اجل .. وسكتت .
أخرجت من حقيبتها ورقة وقلم وأخذت تشكل اسطر , واندمجت بها ..
وهو مندمج بأحداث القصة ..
بعد مضي وقت طويل ، اخذت نفسا عميقا وقالت : رائع .
انتبه لها ، وقال : ما هو الرائع !!
قالت : انت رائع ، وسيم بطبيعتك ، وجميل بالرسومات ..
قال مستغربا : أي رسومات !!
قالت : هذه .. وأرته الرسمة ..
قال مستغربا : هذا أنا !!
قالت : نعم .. هذا انت ، رسمتك كي امتع نفسي قليلا ..
قال : رائعة جدا ، ترسمين جيدا .
قالت : انت الرائع طبعا ..
قال : لست انا ، بل الأنامل والقلم اللذان رسما ..
ضحكت وقالت : شكرا لكلماتك اللطيفة ، واطرقت راسها خجلا ..
ساد الصمت مرة اخرى ..
فإذ به يغلق القصة ويعيدها الى حقيبته ..
قال : بقي ساعة ونصف ونصل الى هناك ..
قالت : أجل .. رائعٌ هذا الشعور ..
قال : اذا حدثيني عن نفسكِ قليلا ..
قالت : اسال وانا اجيب ..
قال : ماذا تفعلين بحياتك غير الرسم والموسيقى !!
قالت : لا شيء اخر ، فهما اجمل شيء بحياتي ..
قال : اليس لديكِ اصدقاء !!
قالت : بلى ، الريشة والجيتار ، مبتسمة ..
قال : لا ، انا اقصد اصدقاء تخرجين معهم وتقضين وقتا ممتعا معهم ..
قالت : لا ، فكل الذين عرفتهم قالو عني معقدة لأني اهوى الرسم والموسيقى ..
ضحك .. وقال : هم المعقدين ، لا يعلمون مدى جمال روحكِ وعذوبة احساسكِ ..
خجلت مرة اخرى وقالت : انت لطيف كنسيم الربيع .. كلامك جميل جدا ..
واكملت .. اذا ستصبح صديقي ، ام لديك اصدقاء !!
قال : لا ، كان لديّ صديقة مثلكِ لطيفة وجميلة ، وتقريبا تشبه ملامحكِ
قالت : أين هي ؟ لما لم تاتي معك !!
قال : لقد توفيت منذ سنتين ..
قالت : متأسفة ، لم اقصد ذلك ..
قال : لا داعي للأسف ما ذنبكِ انتِ ؟!
ابتسمت .. وقالت : حسنا ، سنكون اصدقاء وربما اكثر ..
توقف القطار ونزل الناس بالمحطة واتجه كل منهم الى حيث يقصد ..
وقف هو وهي ..
وقالت يمكنك اخذ رقم هاتفي وعنواني ، ان اردت ..
قال : لا ، افضل ان يجمعنا القدر مرة اخرى كما جمعنا في المرة الاولى ..
وحمل حقيبته ومضى ..
نظرت لصورته واحتضنتها وقالت .. قدر جميل الذي جمعنا ..
بقيت تنظر اليه حتى اختفى عن الأنظار ..
وقالت لنفسها حسنا ، ربما يكون قدرنا ان نلتقي ، وبالتاكيد سنلتقي ..
فبعيناه حنينا لملاقاتي مرة اخرى .. ومضت هي الأخرى بطريقها ..

احلى عبووووووووود والله يسلمو وايدك يا كبير الى الامام